تعرف السهول الأطلسية الممتدة من قنيطرة الغرب إلى إقليم عبدة مع امتداد إلى عمق الشاوية حتى سفوح بني ملال نمطا موسيقيا متميزا : فن العيطة.
وهذا الغناء الشعبي هو تعبير لمختلف القبائل العربية التي استوطنت هذه المناطق خصوصا بعد تهجير مجموعات سكانية كثيفة من الشرق إلى الغرب خلال العصر الاعبيدي في إفريقية (تونس) والفاطمي في مصر أو ما عرف بتغريبة بني هلال .
وقد امتزج هذا اللون الغنائي في منطقة عبدة بألون أخرى والتصق بأحداث تاريخية حتى أصبح مصدرا مهما لتوثيق بعض الحقب خصوصا نهاية القرن 19 وبداية القرن العشرين، ومن أهم الأحداث التي اكتنفها المتن العيطي، نذكر ذلك الصراع الوجودي بين سطوة القائد عيسى بن عمر العبدي وأعدائه من القبائل الأخرى كأولاد زيد ومنهم الزراهنة الذي ينتمي إليهم الفنان الشيخ جمال الزرهوني.
ويذكر عدد من الباحثين ومنهم المرحوم محمد بوحميد بأن العيطة ونظرا لقوة تأثرها تعرضت لعدد كبير من البدع والانحرافات بإقحام كلمات غير مهذبة في أغانيها
وحاليا يعتبر الشيخ جمال الزرهوني أحد الحصون القليلة الصامدة في وجه كل محاولات الابتذال والانحراف والاستغلال التجاري المحض، فالاستماع إليه يشكل في حد ذاته مادة جد غنية للتوثيق.
أهم ما يميز شخصية الفنان الشيخ جمال الزرهوني هي ديناميته ورغبته الجادة في تحصين العيطة ضد الميوعة من جهة ومحاولة تطويرها مما يكسبها مستمعين دون المس بهويتها.
في ما يخص الجانب الأول مافتئ الشيخ جمال الزرهوني يزور كبار شيوخ العيطة بالمنطقة وبعضهم أصبح معدما لتسجيل وحفظ المتون والعيوط بغية الحفاظ عليها من الزوال، وهذا العمل يحيل مباشرة إلى الهم الثاني وهو تقديم أغنية العيطة الحقيقية بعد إزالة كل الشوائب التي علقت بها من كلام ساقط لا يمكن أن يدخل نسيج تعبير شعبي تستمع إليه العائلة.
وفي هذا الباب يوضح الشيخ جمال قائلا : إذا عرفنا أن العيطة كانت الغناء المفضل لقائد من طينة سي عيسى، وهو تيجاني ويكون بحضرته أهل علم ومريدون ومبعوثون من السلطان وغيره فكيف يمكن تصور غناء بحضرته يتضمن ما يمكن أن يخدش الحياء
وفي هذا الباب يعترف المؤرخون بأن العيطة كانت من أهم وسائل تقوية الحماسة لدى المجاهدين خصوصا إبان الحركات الكبرى، وقد اشتغل الشيخ الزرهوني على متن عيطة (سيدي حسن) التي لها شأن كبير في هذا الباب.
حاليا يشتغل الشيخ جمال الزرهوني على توضيب ما يسميه بـ “سمفونية العيطة”التي تحتاج إلى دعم كل الجهات وخصوصا الوزارة الوصية.
وعلى ذكر الوزارة الوصية، فقد اعتادت أن تنظم كل سنة بمدينة آسفي مهرجانا وطنيا للعيطة، علقت عليه آمال كبيرة في البداية لكنه أصبح “ممجوجا”وبؤرة للتطاحن لأنه حسب رأي الكثيرين يكرس الابتذال الموجود في الأسواق ولا يضفي أي عبق على الحدث
وقد كان من الأجدى الاستماع إلى بعض المثقفين كالدكتور سعيد لقبي الذي اقترح مهرجانا (إبان الإعداد للدورة الأولى)بتصور متقدم يقارن بين إنجاز الجنوب الأميركي وعيطة السهول الأطلسية مع إبراز القواسم الإنسانية المشتركة.
التعليقات - الشيخ جمال الزرهوني يوثق سمفونية العيطة بآسفي ويدعو إلى تحصينها من الكلام الدخيل :
عذراً التعليقات مغلقة