ترجل عن صهوة الحياة الرئيس الأسبق لمجلس النواب والقيادي الاتحادي، عبد الواحد الراضي عن سن 88 سنة، بعد معاناة مع المرض، مخلفا وراءه مسارا طويلا وحافلا بالعطاءات على المستوى الحزبي والسياسي، الوطني والعربي والدولي.
وبوفاة عبد الواحد الراضي، يفقد المشهد السياسي الوطني أحد رجالاته البارزين الذين ولجوا العمل السياسي في ريعان شبابهم من باب النضال ضد الاستعمار في صفوف الحركة الوطنية، ليبصم على مسار متفرد، إلى جانب ثلة من رفاقه، في محطات مفصلية من تاريخ المملكة.
وتجمع الكتابات وشهادات رفاق الراحل والفاعلين من مختلف المشارب على أن عبد الواحد الراضي كان بحق رجل التوافق والحكمة، إذ يرجع له الفضل في رأب الصدع في مختلف المحطات السياسية الحرجة التي عرفها البيت الاتحادي، لما كان يتمتع به من موهبة في تقريب الرؤى وتدبير الخلافات، بزغت عقب ولادة الاتحاد الوطني للقوات الشعبية من رحم حزب الاستقلال، وترسخت في الفترات اللاحقة.
الراحل عبد الواحد الراضي كان كذلك رجل العلاقات الواسعة، إذ مكنه ذلك من الاضطلاع بأدوار كبرى، على المستويين العربي والدولي ، منها تعيينه أمينا عاما للاتحاد العربي الإفريقي الذي كان المغرب عضوا فيه. وكانت تجربة تبتغي تمتين الأواصر على أساس مبدأ الوحدة والمشترك الحضاري. كما تولى رئاسة مجلس الشورى لاتحاد المغرب العربي بين سنتي 2001 و2003، وترأس اتحاد مجالس الدول الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي بين 2001 و 2004.
ومن بين المحطات المهمة في مساره السياسي، انتخابه سنة 1962 عضوا بالمجلس الوطني لحزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، وحصوله سنة 1989 على عضوية المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، وانتخابه سنة 2003 نائبا للكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي، ثم كاتبا أولا للحزب ذاته سنة 2008.
كما تحمل الراحل عبد الواحد الراضي، الذي اعتبر رجلا من رجالات الدولة في التاريخ السياسي المغربي المعاصر، مسؤولية تدبير قطاعات وزارية حيوية وحساسة (وزارة التعاون في حكومة محمد كريم العمراني سنة 1983، ووزارة العدل في حكومة عباس الفاسي سنة 2007.)
ومارس الراحل مهامه كنائب برلماني بمجلس النواب منذ سنة 1963، وأعيد انتخابه عضوا في مجلس النواب خلال الولايات التشريعية المتعاقبة، بما فيها الولاية التشريعية الحالية، كما انتخب رئيسا للمجلس ذاته خلال الولايات التشريعية 1997-2002، و2002-2007، و2010-2011.
وعلى الرغم من الانكباب على المهام السياسية، كانت للراحل حياة أكاديمية كذلك، ابتدأت بجامعة السوربون في باريس بعد حصوله على شهادة الباكالوريا بالرباط. وعند عودته للمغرب، عمل أستاذا لمادة علم النفس الاجتماعي في جامعة محمد الخامس بالرباط، وانتخب كاتبا عاما للنقابة الوطنية للتعليم العالي بين 1968 و1974، وهي فترة ترؤسه شعبة الفلسفة وعلم الاجتماع وعلم النفس بكلية الآداب والعلوم الإنسانية.
وفي نعيه للراحل عبد الواحد الراضي، كتب ادريس لشكر الكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية أن الراحل “ظل حاضرا على الدوام، معطاء لوطنه قبل حزبه، مؤمنا بالمغرب الديمقراطي الحداثي وبالأفق المستقبلي الأفضل”، مضيفا ” سنستحضر السي عبد الواحد دوما، بما أسداه لبلادنا ولوطننا، من مختلف المواقع والمسؤوليات.. سنستحضر أنه الواحد المتعدد، المفرد في صيغة الجمع: السياسي المناضل والأستاذ الجامعي، المسؤول الحكومي والقائد الحزبي، المنتدب البرلماني والمنتخب المحلي. سنستحضر تعدد المواقع: في المسؤوليات الحكومية والبرلمانية والحزبية، لكن سنستحضر وحدة المهمة: خدمة المصلحة العليا للوطن”.
وأبرز أنه “في كل المواقع، ظل سي عبد الواحد مثالا لرجل الدولة الهادئ، المحتكم لصوت العقل والمنصت الجيد لنبض الوطن. ظل متمسكا بالحكمة طوال المسار، حتى في اللحظات الحرجة والفترات الصعبة”.
يشار إلى أن الراحل عبد الواحد الراضي، قبل وفاته بفترة وجيزة، قرر أن يأتمن مؤسسة “أرشيف المغرب” على أرشيفاته الخاصة، التي تشهد على مساره الجامعي والحزبي والسياسي، وطنيا ودوليا، للمساهمة في حفظ التاريخ المشترك ونقله للأجيال الحالية والمقبلة.
التعليقات - عبد الواحد الراضي.. رحيل رجل التوافقات والمواقف المتزنة :
عذراً التعليقات مغلقة