بينما المغاربة منشغلون مع تمديد الحكومة العمل بالإجراءات الاحترازية، التي تحرم العديد منهم من مورد رزق، ويأملون أن يتم إلغاء بعضها وإقرار إجراءات مساعدة لهم على كسب قوت عيشهم، خرج إليهم عبد الإله بنكيران، رئيس الحكومة السابق، الذي تم عزله من مهمة تشكيل نسخة ثانية من الحكومة، ليعلن قرارا غير مسبوق في مسيرته السياسية، وهو الإعلان/ التهديد بمغادرة الحزب إذا ما تم تمرير مشروع قانون تقنين زراعة القنب الهندي (الكيف) بالمغرب.
بنكيران، هدد إخوانه بأنه “في حالة ما وافقت الأمانة للحزب على تبني القانون المتعلق بالقنب الهندي (الكيف) المعروض على الحكومة فإنه سيجمد عضويته في الحزب، وفي حالة ما إذا صادق ممثلو الحزب في البرلمان على القانون المذكور فسينسحب من هذا الحزب نهائيا”.
تهديد بنكيران هذا، والذي يعتبر لي لذراع قيادة حزبه، وابتزازا لمؤسساته، وتطاولا على مؤسسة رئاسة الحكومة، يأتي بعدما كان قد أعلن موقفه من هذا القانون بطريقة غير مباشرة، اعتبرها البعض جبانة، إذ بذلا من الخروج في كلمة مباشرة أو مسجلة على منوال “لايفاته” التي اعتاد القيام بها في مثل هذه القضايا “الكبرى”، اختار إعادة نشر مقطع فيديو له وهو يتحدث عن مخاطر تقنين الكيف والداعين له.
واعتبر الدعوة لتقنين هذه الزراعة التي يعلم كل العالم أنها تزرع في المغرب وبفضلها عُرف الموقع الجغرافي للمملكة، بمثابة “شرعنة للمخدرات ودمار مبيت لأمة بكاملها وخطر فكر انفصالي”، محذرا المغاربة من “الأصوات الداعية إلى تقنين الكيف لاستعماله لأغراض طبية”.
ولمكر التاريخ، فبنكيران الذي وقف في وجه نقاش لمشروع قانون تقنين زراعة الكيف لأغراض طبية، الذي قد يحظى بالموافقة وقد يُرفض، في دولة طالما اعتبرها نموذجا لدولة المؤسسات وليست دولة ابتزازات، هو نفسه بنكيران الذي خرج للدفاع عن توقيع الأمين العام لحزبه، سعد الدين العثماني على اتفاق إعادة تطبيع العلاقات بين المغرب ومن تصفه أدبيات حزبه بـ”الكيان الصهيوني المحتل”.
وهو نفسه بنكيران الذي وجه خطابا شديد اللهجة إلى أتباع البيجيدي المنتقدين لتوقيع العثماني، بعد توقيف اتفاق التطبيع، وهو نفسه الذي نهر هؤلاء المريدين ومنعهم من حق التعبير عن رأيهم في موضوع يخص حزبهم وقيادتهم بالقول: “كنطلب منكم تسكتو الله ايجازيكم بخير”.
بنكيران هذا الذي يستأسد ضد قانون قد يكون في صالح آلاف المزارعين البسطاء ويحميهم من تسلط مافيا الاتجار الدولي في المخدرات، هو نفسه الذي صمت وطأطأ الرأس، وهو رئيسا للحكومة، أمام رفض جهات، غير معلومة للعموم، تولي أخوه الذي وعد بعدم تسليمه للقضاء، عبد العالي حامي الدين، رئاسة فريق حزبه بمجلس المستشارين.
بنكيران هذا هو نفسه الذي لم يتردد في تجميد عضوية أخا له في الحزب، عبد العزيز أفتاتي، وانتزاع المسؤوليات الحزبية التي يتولاها منه، وذلك بسبب زيارته للحدود المغربية الجزائرية، واعتبر أنه قام بـ”عمل غير مسؤول فضلا عن كونه يشكل انتهاكا لمبادئ الحزب وتوجهاته العامة”، بحسب وأعدم حقه في الدفاع عن نفسه وأصدر الحكم حتى قبل أن تنظر “هيئة التحكيم الوطنية المنبثقة عن المجلس الوطني لحزبه، في ملفه(أفتاتي)
بنكيران هذا هو نفسه بنكيران الذي أكل الفأر لسانه عندما تم تمرير صندوق التنمية الفلاحية بملايير الدراهم إلى وزيره في الفلاحة والصيد البحري عزيز أخنوش، وضرب الطم وأمر أتباعه بـ “السكات” عندما انتقدوا ذلك واعتبروه تخليا عن صلاحيات رئيس الحكومة.
فكيف يمكن لبنكيران الثائر ضد مشروع قانون مازالت تفاصيله النهائية في علم الغيب، أن يقنع المغاربة أنه هو نفسه بنكيران الذي جبن وتنازل وتراجع وانبطح في أكثر من مناسبة وأمام قوانين تبعاتها أكبر ضررا على المغاربة ومالهم العام من تبعات قانون قد يُخرج زراعة الكيف، التي تمتد حقوله على طول الطريق الرئيسية، من الظلمات إلى النور، ويحدد شروطا قد تعود بالنفع على مزارعين فقراء وُلدوا وهم متابعين في حالة سراح.
كيف يمكن لبنكيران أن يقنع المغاربة أن الكيف، الذي فيه ضرر كما فيه منافع للناس، أكبر خطر على أمة إسلامية من “حركة صهيونية ينبني بقاءها ووجودها على تشتيت وتدمير هذه الأمة الإسلامية”، بحسب أدبيات الحركات الدعوية التي ينهل منها بنكيران؟
كيف يمكن لبنكيران أن يقنع المغاربة أنه لم يركب على مطالب تقنين الكيف، قبل سنوات، ويستعملها مطية لملء الصناديق الانتخابية بأصوات أوصلته وحزبه للمناصب الوزارية؟
إن أكبر خطر على الأمة هم الذين يوظفون الخطاب الديني، من أمثال بنكيران، لأغراض سياسية، ومن أجل الحصول على منافع شخصية، لأنهم الأكثر قدرة على توظيف نفس الخطاب لتبرير ما لا يبرر، وتبيان أن الفقر والجهل والحكرة والظلم والاستعباد والاضطهاد والاستغلال.. نعمة إلاهية تقود إلى الجنة . إنتهى الكلام
التعليقات - هشام العمراني يكتب: من الأكثر خطرا على الأمة.. بنكيران، الكيف أم التطبيع؟ :
عذراً التعليقات مغلقة