قدم المجلس الوطني لحقوق الإنسان، أمس الأحد 8 مارس 2020، خلاصات تقريره الذي طال انتظاره، حول أحداث الحسيمة، والذي يتألف من400 صفحة، بعد أن صادقت عليه الجمعية العامة الثانية، المنعقدة خلال نهاية الأسبوع، والذي تدارست فيه أربع وثائق، شملت، فضلا عن تقرير الحسيمة، تقرير المجلس السنوي، وتقريرا حول أحداث جرادة ، وتقريره الذي سيقدم للجنة إعداد النموذج التنموي الجديد.
تحدثت أمينة بوعياش، خلال الندوة الصحافية التي حضرتها “تيلكيل عربي” بمقر المجلس، بنفس اللغة التي وردت في التقرير، وهي تصف مشقة العمل لإعداد تقرير المجلس حول أحداث الحسيمة، بأنه عمل “مضن، استمر لشهور، من أجل جمع المعلومات والشهادات، والتحقق منها، والقيام بالتحريات”، من خلال الوثائق وأشرطة الفيديو، والاجتماعات، وجلسات الاستماع، والشهادات، والتقصي، إلى جانب العشرات من زيارات فرق المجلس الوطني للمعتقلين”.
وكان الهدف من هذا العمل المضني “تقديم مقاربة حقوقية شفافة لما حدث خلال الأشهر الإثني عشر من الاحتجاجات التي عرفها إقليم الحسيمة خلال الفترة الممتدة من أكتوبر 2016 إلى أكتوبر 2017”. تقول بوعياش، تعليقا على ذلك: “وثقنا المعطيات وقدمناها.. كل ما لدينا من معطيات نقدمها”.
أ- احتجاجات.. حراك أم أحداث
اختار معدو التقرير، الذي جرت صياغته بين نونبر 2019 ومارس2020، تجنب توصيف ما وقع في الحسيمة بـ”الأحداث”، لأن هذه العبارة، كما توضح بوعياش، “لاتفي بتوصيف ما وقع”، كما أن كلمة الحراك أو حراك الريف “تحمل شحنة إيديولوجية وسياسية لاتمكننا من التوصيف”، فضلا عن كون كلمة الريف ليست دقيقة في تحديد مكان وقوع الأحداث؛ إذ لا يمكن إطلاق الكل (الريف) على الجزء (الحسيمة)… لذلك اعتبر المجلس، في تقريره، أن ‘احتجاجات الحسيمة’ هي التعبير الذي يضمن أكبر قدر من الدقة والموضوعية، فمفهوم الاحتجاج يعتبر أحد ركائز حقوق الإنسان حيث نجد أن ‘حريات الاجتماع والتجمع والتظاهر السلمي وتأسيس الجمعيات والانتماء النقابي والسياسي مضمونة’ وكلها تدخل ضمن الاحتجاج”.
ب- كرونوجيا الأحداث
يقف تقرير المجلس الوطني لحقوق الإنسان على ثلاث مراحل مرت منها احتجاجات الحسيمة:
1- مرحلة الاحتجاجات السلمية
امتدت من أكتوبر إلى مارس2017، أي أنها استغرقت ستة أشهر، وهي من أطول مدد الاحتجاجات السلمية في المغرب، وكانت تتم بالليل والنهار، خاصة أنها تزامنت مع رمضان، وجاب المحتجون جل شوارع وازقة المدينة، وعرفت أشكالا احتجاجية غير مسبوقة، منها “طقطقة الأواني”، وارتداء النساء للباس الأسود، تعبيرا عن رفض مداهمات البيوت. وشارك في هذه الاحتجاجات مواطنون من خارج الإقليم، ولم يكن فيها حضور للقوات العمومية، أو أن حضورها كان رمزيا.
2- مرحلة التظاهر بالعنف والرشق بالحجارة
انطلقت من مارس، بعد أول محاولة اعتصام بنصب الخيام بساحة محمد الخامس، حيث خلف تفريق هذا الاعتصام إصابات مختلفة. وإذا كانت هذه الفترة قد عرفت إصابات عديدة في صفوف القوات العمومية، طبقا للمعلومات التي توصل بها المجلس من مديرية الأمن، فإنه بالمقابل لم يحصل على معطيات حول إصابات المواطنين.
3- مرحلة العنف الحاد
وامتدت هذه المرحلة من ماي إلى أكتوبر. ومن أبرز الأمثلة على هذا العنف إحراق مقر إقامة الأمن بتاريخ 26 مارس 2017، والتي حصل المجلس فيها، بالخصوص، على شهادات الأمن، لكن لم يحصل من الجانب الآخر سوى على شهادة يتيمة لتلميذ، بسبب “عزوف المواطنين عن تقديم شهاداتهم في هذه الواقعة”، حسب رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان.
من الأمثلة المدرجة أيضا في هذه المرحلة العنف الناجم عن محاولة اعتقال ناصر الزفزافي في 26 ماي 2017، وكذا احتجاجات 20 يوليوز بأحياء سيدي العابد وقرب مستشفى محمد الخامس وبمنطقة بوجيبار وبحي أفرار وظهر مسعود، وكذا الاحتجاجات التي وقعت بمنطقة محادية لمدينة إمزورن في 3شتنبر 2017.
مصرع عماد العتابي
في إطار حديثه عن مرحلة العنف الحاد، قدم المجلس روايته لمقتل عماد العتابي، والتي استقاها من شهادات الشرطة وشهادات أشخاص كانوا حاضرين في عين المكان. وتقول هذه الرواية إن عددا من المتظاهرين هاجموا سيارة للشرطة، وحاولوا إخراج شخص معتقل، ثم انتقلوا بعد ذلك إلى مهاجمة شرطي ومحاولة انتزاع سلاحه، فلجأ هذا الأخير إلى إطلاق رصاصة في الهواء، ثم أطلق الرصاص على الأرض، فأصابت الشظايا عماد العتابي. وهذه المعطيات يؤكدها تقرير خبرة استعمال الرصاص. بعد ذلك، حملت القوات العمومية عماد إلى المستشفى وهو في حالة غيبوبة، ثم منها إلى الرباط، حيث توفي في شهر غشت.
ج- اقتحام الزفزافي للمسجد يوم الجمعة
يقدم المجلس الوطني لحقوق الإنسان، في تقريره، ما حدث يوم الجمعة 26 ماي2017، من دخول ناصر الزفزافي للمسجد، وهو الحدث الذي سيشكل تحولا في أحداث الحسيمة، إذ سيصدر بعده مباشرة قرار اعتقاله، (يقدمه) على أنه مس بالحق في العبادة ولا يندرج ضمن حرية التعبير. يقول تقرير المجلس “قام ناصر الزفزافي، بتاريخ 26 ماي 2017، باقتحام المسجد أثناء خطبة الجمعة، مقاطعا الإمام ومخاطبا المصلين داخل المسجد، وترتب عن ذلك حرمان المصلين من ممارسة حقهم في صلاة الجمعة، حيث أقام بهم الإمام، في نهاية المطاف صلاة الظهر(أربع ركعات)، عوض صلاة الجمعة. وبالتالي، تم حرمانهم من إتمام شعائر خطبة الجمعة وصلاة الجمعة”.
وبعد أن أورد رأي الزفزافي، اعتبر المجلس أن “الأمر لا يتعلق بنقاش عمومي وبفضاء من الفضاءات العمومية، حيث تتواجه الآراء والمواقف محتكمة إلى الحجة والبرهان، بل نحن أمام شعيرة تعبدية، لها دلالتها القدسية، يمارسها المؤمنون بها. وإذا حدث وكان خلاف أو اختلاف حولها، فمكان التعبير عنه في الفضاء العمومي، إذ لو اكتفى ناصر الزفزافي بانتقاد الخطية خارج المسجد، لكان يمارس حقه المشروع في حرية التعبير. لكنه باقتحامه للمسجد، يكون قد اعتدى على حق الذين كانوا بالمسجد في ممارسة حرية تعبدهم وحريتهم الدينية. ولذلك فإنه قد خرق حقهم في ممارسة شعائرهم”.
واعتبرت رئيسة المجلس أمينة بوعياش أن التقرير لم يتوقف عند خطبة الجمعة وطبيعة مضامينها والموقف منها ، لأن “المهم هو واقعة الاقتحام وليس ماراج من كلام”.
د- مطالب احتجاجات الحسيمة والرد المتأخر للدولة
قالت رئيسة المجلس إن مطالب المحتجين في الحسيمة كانت متصاعدة وغير مرتبة، وتنوعت بين مطالب ذات صلة بسوء التدبير (مشاريع كبرى تمت برمجتها ووقع التماطل في إنجازها)، ومطالب ذات علاقة بمشاريع محلية في إطار سياسة القرب، ومشاريع تحتاج إلى مسطرة خاصة، كنزع الملكية وتدبير الملك الغابوي وتسعيرة الماء والكهرباء.
توضح بوعياش أن أول ملاحظة حول تعامل الدولة مع هذه المطالب، هي التأخر في التعاطي معها بحوالي ستة شهور، فبينما انطلقت الاحتجاجات في أكتوبر كانت أول زيارة للمنطقة في شهر ماي.
تقول بوعياش “تحركت السلطات بعد أن بدأت الاحتجاجات تأخذ طابع العنف والعنف الحاد”، ويستنتج التقرير: “لاشك أن تأخر الحوار مع أعضاء الحكومة وشبه انعدامه مع منتخبي المنطقة لمدة ستة أشهر، قد أثر سلبا على منحى الاحتجاجات”.
يذكر المجلس بمختلف الإجراءات التي اتخذتها السلطات للتجاوب مع مطالب المحتجين، بما في ذلك القرارات المركزية بإعفاء عدد من الوزراء والمسؤولين، ويتوقف عند أحد أهم المطالب والذي بسببه تعثر الحوار، ألا وهو إلغاء ظهير العسكرة.
في هذا الصدد، اعتبرت بوعياش أن المرتكزات التي يحدد على أساسها مفهوم العسكرة على المستوى الدولي غير متوفر في الحسيمة، وهي على سبيل المثال وجود حاكم عسكري، وجيش، وحظر للتجول. وبناء عليه فإن ” كل هذا لا يدع مجالا للشك في أن إقليم الحسيمة يعتبر إقليما عاديا… وأن كل المقتضيات القانونية المتوفرة ألغت ظهير 1.58.381″، كما يقول التقرير.
ه-حرية التعبير والتجمع
على مستوى حرية التعبير، دعا تقرير المجلس الوطني لحقوق الإنسان إلى التمييز بين الخطابات المحمية قانونيا، وهي الخطابات التي لا تحرض على العنف أو الكراهية، حتى وإن اتسمت بالقوة. وضرب أمثلة على ذلك بعبارات وردت في خطابات المحتجين، من قبيل “الصعلوك”، “الكركوز”، “كذابة ماعندناش فيهم الثقة ربما كيخدموا القرقوبي”، “أفشل حكومة”، “رؤساء الجماعات وبيادقهم ومخبريهم إلى الجحيم إلى مزبلة التاريخ ملعونين”…
لكن التقرير أورد أيضا أمثلة لخطابات، تدعو إلى العنف أو الكراهية وتحرض عليهما، من قبيل “باش يفهموها راكم نتوما الأجهزة القمعية راكوم مهددين، نقولو لكم أن تواجدكم هنا تواجد مشبوه، وتواجد يهدد حياتكم…”، و”يريدون أن يدخلوا الريف في مستنقع من الدماء”، و”والله وقسما بالله وقسما برب العزة إن لم تحققوا ملفنا الحقوقي سوف نتبع أجدادنا وستراق دماؤنا على هذه الأرض الزكية الطاهرة”.
و-ادعاءات التعذيب
توقفت أمينة بوعياش عند نشر مقتطفات من تقرير المجلس الوطني لحقوق الإنسان حول تعذيب معتقلي الحسيمة سابقا، وقالت إنه خرج عن سياقه، وأثار التباسا كبيرا”.
وقبل الحسم في ادعاءات التعذيب، اعتبر المجلس استنادا على اجتهادات دولية، وهي الطريقة التي اعتمدها في معالجته لكل جوانب هذا الملف، (اعتبر) انه للقول بوجود تعذيب، لابد من توفر العناصر الخمس الآتية: يحب أن ينتج عن الفعل ألم أو معاناة جسدية أو عقلية حادين، يجب أن يكون الفعل متعمدا، يجب أن يكون الفعل لغرض محظور، يجب أن يرتكب الفعل موظف عمومي أو بتحريض منه، أو بموافقته الصريحة أو الضمنية من قبل شخص يخضع لسلطته أو سيطرته، وألا يكون الفعل ناتجا عن عقوبات مشروعة “.
بعد ذلك، قسم المجلس الحالات المتعلقة بادعاءات التعذيب إلى خمس مجموعات: مجموعة قد تتوفر فيها عناصر التعذيب (ضمت ثلاث حالات)، مجموعة فيها اتهامات بالاستعمال المفرط للقوة خاصة أثناء التوقيف (ضمت 9 حالات)، مجموعة تدعي المعاملة القاسية أو اللاإنسانية (تضم ثلاث حالات) ومجموعة تدعي المعاملة المهينة والحاطة بالكرامة (تضم أغلب الموقوفين) ومجموعة خامسة لم يثبت تعرضها للعنف (تضم 28 حالة).
ز-محاكمة المتابعين على خلفية أحداث الحسيمة
اعتبر تقرير المجلس أنه لم يتم التداول بشكل مستفيض في الحالات الثلاث التي يقول المجلس بأن أصحابها قد يكونوا تعرضوا للتعذيب، ويطالب السلطات بتعميق البحث في هذه القضية، لكي “نضمن حق الانتصاف وضرورة نشر نتائج البحث للرأي العام”، تقول بوعياش.
عدا ذلك، تم إبعاد محاضر الشرطة القضائية ، واعتمدت المحكمة على إثباتات الفيديوهات، والرسائل النصية، والتنصت على المكالمات بالأساس، والذي يقول التقرير بأنه تم بشكل قانوني، كما أن المتهمين لم يكرهوا على إثبات التهم على أنفسهم، فناصر الزفزافي رفض الكلام، وربيع الأبلق رفض أن يقدم كلمة السر الخاصة بحسابه على الفايسبوك.
ن-تحليل المنشورات الخاصة بالاحتجاجات
لاحظ القائمون على التقرير وجود كم هائل من الفيديوهات التي تنشر مزاعم بالتعذيب والاغتصاب في الحسيمة، فتم تشكيل فريق عمل، انكب على دراسة هذه المنشورات.
تم الوقوف على وجود 302 ألف منشور على الأنترنيت لها علاقة بالأحداث، بمشاركة 43 ألف صانع محتوى، وأن من بينها 10 آلاف منشور مضلل أو يتضمن الدعوة للكراهية أو إلى العنف.
وانتهى البحث إلى أن المواقع الإلكترونية العشرين الأولى الأكثر تأثيرا توجد كلها خارج المغرب، وأن 19% فقط من الناشرين فيها يقيمون في المغرب، وأن أزيد من النصف يوجد في أوروبا، وأن ثلث هذا الكم الموجود في أوروبا يستقر بالأساس في بلجيكا وهولندا وألمانيا.
ح-ادعاءات التعذيب في السجن
قام المجلس بـ240 زيارة المعتقلين في17 مؤسسة سجنية، وتدخل لتحسين ظروف الاعتقال فيها. تقول بوعياش “تحرينا في السجن الانفرادي للزفزافي، حيث كان يقيم في زنزانة من 4 أمتار على 4,5 متر، وهي زنزانة أكبر من المعدل الدولي المحدد في 3 أمتار، في حين يقيم المهداوي في زنزانة من 14 مترا.
زنزانة الزفزافي، تقول بوعياش، “نظيفة، وبها تهوية”. وتنقل عن السلطات قولها بأن وضعه لوحده لم يكن بسبب وجود عقوبة، ولا بالنظر إلى خطورة محتملة قد يشكلها، إنما بسبب متطلبات “البحث القضائي”.
وحسب يوعياش ، فإن التواجد في زنزانة منفردة يعتبر مسا بحقوق السجين إذا اقترن بالعزلة الاجتماعية التامة، من غياب للفسحة، والزيارة، والمكالمات الهاتفية، والمحامي، والفحص الطبي”، وهي حقوق كان يتوفر عليها الزفزافي.
كنا نفت بوعياش تعرض الزفزافي للتعذيب، بحيث أن الفحوصات، وما أثبتته الكاميرات، وخلاصة التحريات لا تتوافق مع تصريحاته أو تصريحات عائلته.
63 خلاصة و32 توصية
قدم المجلس في ختام تقريره 63 خلاصة و32 توصية، من أهمها التحقق من حالات التعذيب التي أوردها، ومراجعة المسطرة الجنائية، بإزالة المقتضى الذي يفرض على المتهم إثبات تعرضه للتعذيب، وفتح الباب أمام إمكانية الطعن في سلب الحرية الذي تقرره النيابة العامة.
التعليقات - تقرير CNDH حول احتجاجات الحسيمة: الزفزافي اعتدى على حرية المغاربة في العبادة وما تعرض لحتى تعذيب :
عذراً التعليقات مغلقة