تأرجح مسار أمين بنشعلال بين مبتغيات متباينة، أهمها ممارسة الطب والغدو مهندسا في الاتصالات، لكن رحلة البحث التي انخرط فيها جعلته متميزا في هندسة المعلوميات.
المستجمع عِقدين من الحضور في المجتمع الألماني يراهن على التميز في عطاءاته العلمية والمهنية، واضعا عينيه على العودة إلى المغرب في المستقبل، ويعتبر “التجربة والخطأ” الأنسب إليه.
التطبيب في آسفي
في آسفي ولد أمين بنشعلال، وكان ذلك في ثالث سنوات عقد الثمانينيات من القرن الماضي، وبالمدينة نفسها نشأ وتقوّى متلقيا التعليم بين مؤسساتها العمومية.
أول تماس بين بنشعلال والدراسة كان في مدرسة أحمد بنعاشور الابتدائية، ثم انتقل خلال المرحلة الإعدادية إلى مؤسسة الحنصالي، وحصل على الباكالوريا من ثانوية الحسن الثاني.
حلم أمين، وهو يمر بين مؤسسات التربية والتكوين الثلاث، بأن يغدو طبيبا في المستقبل، لذلك ركّز جهوده على البذل الدراسي في سبيل تحقيق هذا المراد.
خيار بديل
يكشف أمين بنشعلال أن الهجرة لم تكن تخطر على باله خلال السنوات 18 الأولى من عمره، ويؤكّد أنها جاءت بمثابة خيار بديل حين وقع طارئ أبعده عن دخول كليات الطب.
ويفسر المسفيوي عينه: “كنت أراهن على نيل نقط جيدة تخدم حلمي المهني، لكنني تحصلت على نقطة ضعيفة في وحدة الفيزياء والكيمياء، جعلت معدّل الباكالوريا يتأثر هبوطا”.
المستجدّ جعل اسم أمين بنشعلال يغيب عن لوائح المنتقين لاجتياز اختبارات الطب في المغرب، وجرّه صوب رحلة البحث عن خيار آخر لشق المسار نحو المستقبل؛ فكانت الهجرة.
إعجاب بألمانيا
استفاد بنشعلال من نصائح قريب له كان يخضع لتكوين جامعي في ألمانيا، واختار الهجرة إلى هذه البلاد للاستفادة من الظروف الجيدة التي تتيحها للطلبة؛ خاصة إمكانية الجمع بين العمل والتعلم.
ويقول من كان مراهنا على التطبيب: “ما سمعته عن الألمان جذب اهتمامي بجدّ. وبعد التشاور مع والديّ حسم قرار الهجرة إلى الديار الأوروبية بغرض ولوج الدراسات العليا”.
درس أمين اللغة الألمانية في موسم واحد بمدينة مراكش، ونال حزمة من المعلومات خلال هذه المرحلة بغية النجاح في تخصص “هندسة الاتصالات” الذي فضّله على كل الخيارات المتاحة.
في انتظار الاعتياد
احتاج الوافد من آسفي فترة من الوقت للاعتياد على العيش في بلد الاستقرار الجديد، ويقول إن الصعوبات التي صادفها، وقتها، لم تختلف عن تلك التي واجهت كل طالب مغربي وفد على ألمانيا.
“كان مستواي التواصلي باللغة الألمانية لم يبلغ الجودة المطلوبة مقارنة بالمتداول في هذه البلاد، وكنت ألجأ إلى مراجع باللغة الفرنسية لاستيعاب محاضرات يلقيها بعض الأساتذة بلكنات محلية”، يضيف بنشعلال.
ويردف المتحدث بأن مجمل الصعوبات جاءت في أشكال مقبولة، غير مؤثرة بعمق على الاندماج في ألمانيا، ومنها عثرات الحصول على سكن في وسط جامعي يشهد إقبالا مكثفا من جانب طلبة العالم.
تخصص بالخطأ
التكوين العالي لأمين بنشعلال، بجامعة “كارلسروه”، ارتبط بمجال المعلوميات حتى يتخصص في ميدان الاتصالات، وبعد شهور اكتشف أن التوجيه الذي تلقاه في مراكش كان خاطئا تماما.
يعلق المنتمي إلى “مغاربة العالم” على ذلك بقوله: “لقد دخلت تخصص المعلوميات بفعل هذا الخطأ المؤثر، لكن المحتوى الدراسي جعلني أحب علوم المعلوميات إلى حد كبير جدا”.
أفلح بنشعلال في التخرج مهندسا في المعلوميات، وقرر استكمال التحصيل العلمي بالإقبال على تكوين إضافي في “ماستر” مرتبط بالمجال عينه، غير مفرط في الشق النظري لصالح الممارسة المهنية.
التأمينات والسيارات
“كافة خريجي دفعتي لم يجدوا أي صعوبة في الحصول على مناصب شغل مباشرة بعد إكمال الدراسة، وقد فضلت نيل استراحة في المغرب، مدتها شهران، قبل بدء مساري المهني”، يكشف أمين بنشعلال.
ابتغى المغربي نفسه العمل في إحدى الشركات الألمانية الشهيرة بصناعة السيارات، لكن الفرص المتاحة أمامه جعلته يربط أداءه المهني الطريّ بأحد الفاعلين الألمان الوازنين في ميدان التأمينات.
ويعلن بنشعلال أن مراداه تحقق، بعد فترة غير طويلة، عندما أفلح في العمل مهندسا للمعلوميات بشركة “مرسيديس بنز”، معتبرا هذه الخطوة انطلاقة حقيقية لعطائه المهني المتواصل حتى الحين.
تفرّغ للابتكار والتطوير
ينخرط المسفيوي عينه في جهود مركّزة على تطوير السيارات الخاصة بالعلامة التجارية التي يعمل لصالحها، متعاطيا مع ابتكارات وتطويرات الأنظمة المعلوماتية على وجه التحديد.
ويقول بنشعلال: “ليست لدي علاقة مباشرة بالتصنيع الموجه فورا إلى الأسواق..مهامي متصلة بالبحث من أجل التطوير، مساهما في سيارات مستقبلية قبل أعوام من خروجها إلى العلن”.
كما يردف أمين في هذا الشأن: “يتم الانطلاق من أفكار لإنجاز العمل، ويستغرق الأداء البحثي قرابة 5 سنوات على كل نموذج، لتبدأ بعدها مراحل التجريب الميداني وتعديل الاختلالات المرصودة”.
عين على المستقبل
لا يؤمن المنتسب إلى صف الجالية المغربية بوجود ارتياح تام على المسار كيفما كان صاحبه، لكنه ينظر إلى المحددات التي قادته نحو هندسة المعلوميات في ألمانيا كي يقول إنه سعيد بما تحقق.
ويستدرك أمين بنشعلال: “تتبقى لدي أهداف عديدة، منها ما يرتبط بالمدى القريب ويدفعني نحو نيل دكتوراه في المعلوميات، وأخرى مداها بعيد وتجعلني مبتغيا العودة إلى وطني الأم”.
ويؤكد مطوّر الأنظمة الرقمية للسيارات أنه، كعدد كبير من المغاربة المقيمين في الخارج، يريد الاستثمار في المملكة للاقتراب من العائلة ونيل أرباح مادية، من جهة، ونقل المعرفة التي جمعها إلى المغرب، من جهة ثانية.
مكافحة التبخيس
يضع أمين بنشعلال مكافحة التبخيس منطلقا لكل شاب يبتغي تحقيق طموحاته، ويرى أن الانفلات من “ثقافة التعجيز”، التي يخدمها “معممو الإحباط”، مدخل حقيقي لفضاءات النجاحات أينما كانت في العالم.
ويضيف “ابن آسفي” أن نيل الخير يبقى مرتبطا، على الدوام، ببذل أقصى الجهود الممكنة، وسلك خيارات بديلة حين تغيب الفرص عن استيفاء المسارات المحددة في مراحل سابقة من الحياة.
ويختم بنشعلال كلامه موردا: “على الناس أن يصغوا مليّا إلى الأصوات المشجعة والمحفزة التي تحيط بهم، فهي التي تعمل على بث الطاقات الإيجابية الدافعة نحو آفاق أرحب وحياة أسعد”.
التعليقات - أمين بنشعلال.. مشا من آسفي ولد 18 سنة ودابا أصبح مهندس معلوميات يطور سيارات المستقبل بألمانيا :
عذراً التعليقات مغلقة